Dhomir Sya'n


باب الأول
مقدمة
أ‌. خلفية البحث

لما فرغنا من الكلام ووصلنا إلى بحث نواسخ الإبتداء و هي كان وأخواتها و أفعال المقاربة و إن أخواتها. ففى أول هذه المرة, بحثنا عما يتعلق بضميرالشأن.
وكما ذكر فى بعض كتب النحو, أن فى الضمائرأقساما متعدّدة و منها ضمير الشأن, و كان علماء النحاة استعمله إدلالا للعبارة المهمة معناها بعده.
وكذلك أنها أقسام باعتبار ما سيكون و سيأتي بيانه إن شاء الله.
ففي النهاية نسأل الله التوفيق على هدايته و عنايته عسى أن يكون هذ القليل نافعا لنا و لكم. أمين.

ب‌. قضايا البحث

أ‌. تعريف ضميرالشأن
ب‌. فائدة ضمير الشأن
ت‌. أمثلات ضمير الشأن
ث‌. أحكام ضمير الشأن


باب الثاني
المبحث
ضمير الشأن
أ‌. تعريف وفائدة ضمير الشأن
ضمير الشأ ن, أو ضمير القصّة, أو ضمير الأ مر, أوضمير الحديث, أو ضميرالمجهول. من الضمائرنوع أخر له كلّ الأسماء السالفة, والإسم الأوّل أشهر, فاّلذى يليه-وله أحكام محدودة. وفيما يلي البيان.
كان العرب الفصحاء-ومن يحاكيهم اليوم- إذا أردوا أن يذكرواجملة (إسميّة أو فعليّة) تشتمل على معنى هام أو غرض فخم, يستحقّ توجيه الأسماع والنفوس إليه- لم يذكرواها مباشرة, خالية ممّا يدلّ على تلك الأهمّية المكانة, وإنم يقدّمون لها بضمير يسبقها, ليكون الضمير-بما فيه من إبهام وتركيز, ولاسيما إذا لم يسبقه مرجعه- مثيرا للشوق, والتطلّع إلى مايزيل إبها مه., باعثا للرغبة فيما يبسط تركيزه,فتجيء الجملة بعده, والنفس متشوّقة لها, مقبلة عليها, في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس الاّ تمهيدا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمّن معناه تماما. ومدلوله هو مدلولها.فهو بمثابة رمز لها, ولمحةأو إشارة توجّه إليها.
وكان ابن مالك يقول في كتا به "الكافية" عن تعريف ضمير الشأن, وهو يقول:
ومضمر الشان ضمير فسرا # بجملة كأنه زيد سرى
ضمير الشأن هو الضميرالذى تفسره الجملة التى وقعت بعده.
ب‌. أمثلاته
ومن أمثلات ذلك فيما يلي:
1- أن يتحدّث فريق من الأصدقاء عن غنيّ إفتقر, فيقول أحدهم: وارحمتاه!!لم يبق من ماله شئ, فيقول الثانى: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير, فيقول الثالث: من كان يظنّ أنّ هذه القناطير تنفذ من غير أن يدخّر منها شيئا يصونه من ذلّ الفاقة, وجحيم البؤس؟ متأوها يا رفاقي, (هو: الزمان غدار وهي: الأيّام خائنة).
فالغرض الذي يرمي إليه الرابع من كلامه:(بيان غدر الزمان وخيانة الأيام أو تقلّب الزمان) وهو غرض هام, لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدلّ علىأهمّيته, ويوجه النفس إليه, فمهد له بالضمير "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شئ يصلح مرجعا ليثير الضمير بإبهامه هذا, وتركيزه شوق النفس وتطلّعها إلى ما يجئ بعده وتتجه بشغف إلى ما سيذكر ولن يزيل غموض الضميرويوضح المراد منه إلاّ الملة التى بعده. فهي الّتى تفسّره, وتجليه فهو رمزلها أو كناية عنها, وهي المفسّرة للرمز المبيّنة لمدلول الكناية.
والرمز ومفسّره, والكناية ومدلولها- من حيث المعنى شئ واحد (ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ, وتعرب الجملة خبرا عنه من غير رابط. لا تحادهما فى المعنى) ومثل ما سبق فى بيت الشا عر:
هو: الدهر ميلا د. فشغل فمأتم # فذكر كما أبقىالصدى ذاهب الصوت
2- أن تسير فى حديقة قاتنة بهيجة فتشتهويك, فتقول: " إنه الزهر ساحر"- " إنها الرياحين رائعة " أو إنه يسحرنى الزهر" – إنها تروعنى الرياحين... فقد كان فى نفسك معنىهام وخاطرجليل, هو سحر الزاهرأو روعة الرياحين, فأردت التعبيرعنه بجملة إسميّة أو فعليّة, ولكنّك لم تذكر الجملة إلاّ بعد أن قدّمت لها بالضمير(فى كلمتي: إنه...إنها...) لمّا فى الضمير- ولا سيما الذى لم يسبقه مرجعا من إبهام وإيجاء مركزين يثيران فى النفس شوقا وتطلّعا إلى إستيضاح المبهم وتفصيل المركز. وهذا عمل الجملة بعده, فإنها تزيل إبهامه وتفسر إيجاءه وتبسط تركيزه: فتقبل عليها الفس متشوقة متفتحة
3- يشتد البرد فى إحدى الليالى وتعصف الريح فيقول أحد الناس: هذا برد قارس, لم أشهده قبل اليوم فى بلادنا, فيقول الأخر: لقد شهدت كثيرا ولكن عصف الريح لم أشهده, فيجادلهما الثالث, فيقول: " هو: نظام الكون ثابت " وإنه: الجو خاضع لقوانين الطبيعة " و"إنها: الطبيعة ثابتة القوانين " فالضمير(هو...والهاء...وها) رمز وإيجاء إلى الجملة الهامة االتالية التى هي المدلول الّذى يرمى إليه, والغرض الّذى يتضمنه فكلاهما فى المعنى سواء.
فكل ضمير من الضمائر التى مرّت فى الأمثلات السابقة- ونظائرها- يسمّى عند جمهرة البصريّين: "ضمير الشأن" وهو:
"ضميريكون فى صدر الجملة بعده تفسرهدلالته وتوضح المراد منه ومعناها معناه.
وإنما يسمونه ضير الشأن لأنهايرمز للشأن أي للحال التى يراد الكلام عنها, والتى سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهرتسميّاته, وأكثر الكوفيّين يسمونه "بالضمير المجهول" لأنه لم يسبقه المرجع الذى يعود إليه, ويسمى عند النحاة "بالضمير القصّة" لأنه يشير الى القصّة أى المسألة التى سيتناولها الكلام, كما يسمى أيضا: "بالضميرالأمر والضمير الحديث, لأنه يرمز إلى الأمرالهام الذىيجئ بعده، والذى هو موضوع الكلام, والحديث المتأخر عنه.

ث‌. أحكام ضمير الشأن
ولهذا الضمير أحكام. وهي ستّة وهي أحكام يخالف بها القواعد والأصول العامة, ولذلك لايلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره فى سياق جملته نوعا أخر من الضمير:
أولها: أنه لابد أن بكون مبتدأ, أوأصله مبتدأ, ثم دخل عليه ناسخ, كالأمثلة السابقة. ومثل: قل هو الله أحد, فقد وقع فى الأية مبتدأ. ومثل قول الشاعر:
علمته: الحق لا يخفى على أحد # فكن محقّاتنل ما شئت من ظفر
ثانيها: أن تكون صيغته للمفرد, فلا تكون للمثنّى, ولا للجمع مطلقا . والكثير أن تكون للمفرد المذكر, مرادا به الشأن, أو الحال, أو الأمر. ويجوز أن تكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادةالقصة, أوالمسألة, وخاصة إذا كان بعده فى الجملة مؤنث عمدة, كقوله تعالى: { فإذا هي شاخصة أبصارالذين كفروا} وقوله تعالى: {فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور}
ثالثها: أنه لابد له من جملة تفسره, وتوضح مدلوله, وتكون خبرا له, الآن أو يحسب أصله- مع التصريح يجزأ بها, فلا يصح تفسيره بمفرد, بخلاف غيره من الضمائر, ولا صح حذف أحد طرفي الجمة, أو تقديره.
رابعها: أن تكون الجملة له متأخرة عنه وجوبا, ومجعه يعود إلى مضمونها, ولا يجوز تقديمها كلها, ولاشئ نها عليه, لأن المفسّرلايجئ قبل المفسّر (اى: أن المفسرلايجئ قبل الشئ الذى يحتاج للتفسير)
خامسها: أنه لا يكون له تابع, م عطف أوتوكيد أوبدل, أماالنعت فهو فيه كغيره من أنواع الضمير, لايكون لها نعت, ولا تكون نعتالغيرها.
سادسها: أنه إذا كان منصوبا- بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين, أصلها المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله, مثله: ظننته (الصديق نافع) – حسبته (قام أخوك)- فالهاء ضميرالشأن فى موضع نصب, لأنه المفعول الأول للفعل "ظن" والجملة بعدها فى محل نصب, هي المفعول الثانى له.
أما إذا كان مروعا متصلا. وعامله فعل, فإنه يستتر فى هذا الفعل, ويستكنّ فيه, مثل: ليس خلق الإنسان نفسه. ففى "ليس" فى رأي ابن مالك- ضمير مستتر حتما, لأن "ليس وخلق" فعلان من نوع واحد, لأنهما ماضيان. ووقوع الفعل معمولا تاليا مباشرة لعامله الفعل الذى من نوعه قليل جدّا فى فصيح الكلام... فلا بد من إسم يرتفع بالفعل "ليس", ولذلك كان اسمها ضميرا مستترا فيها, ومثله قولهم: (كان علي عادل- وكان أنت خير من زيد)... ففى "كان" فى الحالتين ضمير مستتر تقديره "هو" أى الحال والشأن, و يعرب إسما لها, والجملة بعده مفسرة له, وهي خبر كان, وهكذا غيره من المأثور.
ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة- ونظائها- لاتكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن, إلاّ إذا كانت صادرة منخبير بأصول اللغة, مدرك للفروق بين التراكيب, ولأثرها فى المعانى المختلفة, وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيقالغرض المعنوى الذى يؤديه. ولولا هذا لصارت اللغة عبثا فى تراكيبها, ينتهى إلى فساد فى معانيها. ولا شكّ أن حسن استخدام هذا الضمير, وتمييزه من غيره لا يخلوا من عسر كبير.

باب الثالث
الإختتام

هكذا ما استطعنا إلقاءه في هذا البحث. فالرجاء على أن لانكتفي بهذا الدرس بل نتدرس و نتكرر. فإن علم الله كثير لاتحصى فمن رغب في طلب العلم فلن يتلذذ في علم واحد.
ونشكرشكرا لاتعد إلى زمرة الأحباء و الأصدقاء و نخص لفضيلة الأستاذ أولى الرشاد الذي قد أعطانا فرصة وكذلك تشجيعا لإقامة هذه الوظيفة وندعوا عسى أن يجزيكم الله جل و علا خير الجزاء.
بالنهاية نسألكم بحور العفو على قصورنا و ضعفتنا في إقامة هذا الأداء. فإنّنا إنسان ضعيف محتاج إلى عناية الرب و هدايته.

Comments